كتاب سراديب أحلام

※سَراديبُ أَحلامِ ※



كتاب قصصي 
















 ___❀ ___



إعداد: سارة محمد العاني.

تأليف: مجموعة من الكتاب.

الدار النشر : دار ATA CAFFEINE  الألكترونية

تاريخ النشر: 2021/8/27

مراجعة وتنقيح: عماد علي.

الإخراج الفني: تبارك حبيب 

تصميم الغلاف: عبد الرحمن أحمد.




______




مؤلفين الكتاب 

-         باسم الحبسي.

-         سارة محمد العاني.

-         خضير جمال الجبوري.

-         حسين جاسم.

-         حفصة محمد.

-         عبد الغني الأهدل.

-         رضوان شبلي.

 


 ______




 

مقدمة

 

وريقات متطايرة، ونسائم متغايرة، وقلوب مقربة، وشجون مغتربة، غرتها موشحات الأنغام، وحملتها تيارات الهيام إلى وادي العشق المتبتل، رهبان الحب مجتمعون فيه، يرتل لهم أيات السماء التي تتكلم عن الحب، يزيل الوجد الهموم، ويجلي ظلمات الغيوم، ثم تهيم تلك الأرواح والأوراق والقلوب لترسل قبساتٍ مضيئةٍ سراديب الأحلام



___❀___


إهداء

إلى كل من امالتهُ الأسقام إلى وتيرات الأمل وانصاعهُ تهور الطموح وعثرة المجتهد، وكبواتٍ أمالتهُ عن رغدِ النجاح، فهوى في مطبات الانصياع ،إلى تكاسلٍ وخذلانِ العزيمة، كما رجلٌ هالكٌ ونملةٌ تبني فوقهُ ممالكٌ.

 



 ___  ___


۩المظلوم۩

                                   للكاتب باسم الحبسي   


 



          

 في يومٍ مشمس خَرجتٌ من منزلي وأنا أحمل حَقيبتي على كتفي قاصدًا إحدى القُرى البعيدة. عبرت صحراء قاحلة فرأيت خمسة منازل أمامي، أسرعت إليها، وعند وصولي شعرت بالعطش الشديد، نَظرتُ حولي فرأيت صنبور ماء أمامي، اقتربت منه وأردت أن أشرب لكنني لم أجد به أيةَ قطرةَ ماءٍ تَتَدفق.

 

 وقفت مكاني وأنا أُعيد النظر إلى المكان علني أجد شيئًا يَروي عطشي، صوبت نظري إلى الأمام، فرأيت فتاة جميلة تحمل قِربة ماء في يدها، اقتربت منها لِأنزِع القِربة من يدِها لكنها أفرغت الماء وألقت بالقِربة أمام قدمي وهي تضحك مثل ساحرة تعد الحيل وتخدع الناس، أُغشيَّ عليَّ من شدة العطش لأجد نفسي مستيقظًا، تفحصتُ سلاحيّ السيف والمسدس في أحد الخُصرين استعدادًا للرحيل.

 

 وفجأة سمعت صوتًا غريبًا يَقتَرب مني، حرّكتُ يدي مسرعُا نحو خصري لِآخذ أحدى السلاحين، لكنني تأخرت قليلًا فقد سُحِبا مني قبل أن تقع يدي عليهما.. التفتُ خلفي ورأيتُ تلك الفتاة وهي تحمل في يدها سيفي ومسدسي، حدّقت بنظرها إليّ وهي تُشير إلى سلاحي:

 أتبحث عن هاذين السلاحين؟ 

صمتت لبرهة ثم سألتني مجددًا: أأنت مُسالم؟ 

أجبتها قائلاً: بلى  ،ثم تابعت قائلة: سأعطيك إياهما بشرط ألَّا تؤذي أحدُا من أهلي وأقاربي 

 فقلت: لكِ ما أردتِ، ثم أعادت  لي سلاحاي. 

كنت قادرًا على استعادة سيفي ومسدسي منها بالقوة دون أن أستمع لها بتاتاً ولكنني قررت ألا أفعل ذلك، وما هي سوى لحظات حتى قالت لي: اتبعني! اتبعتها وأنا أسير خلفها، رأيتها تسير باتجاه منزل أمامها، فتحت الباب ثم أمرتني بالدخول، دخلت وإذ بأسرتها تجلس على مقاعد طاولة الطعام أمامي.

 التفت حولي وأنا أسير اتجاههم، وبينما كنت أسير خلف الفتاة رأيت أحدهم يتخطاني مسرعًا نحو الجدار.

 

 التفتُ لأرى وإذا به يأخذ مسدسًا كان معلّق بالجدار ويشير به نحوي: أي خطوة أيها البشري سأقتلك، وقفتُ مكاني دون حراك شعرت أن هناك أمرًا لا أعرفه ويبدو أنه جاد في كلامه، نظرت إلى الفتاة وإذا بها تسرع نحوي وتقف أمامي وفوهة المسدس مصوبة نحوها. 

رَفَعت يديها ومدتهما تحاول حمايتي وهي تقول: دعه يا أخي إنه مسالم، وما هي سوى لحظات حتى أبعد مسدسه عني وأعاده إلى مكانه ثم جلس في مقعده قائلًا لي: تفضل، جلست بجانبهِ ثم أكلت بشراهة.

 ولما انتهيت أردت الرحيل إلى مُرادي، لذا حملت حقيبتي التي وضعتها أسفل الطاولة قبل جلوسي، وودعتهم وأنا أسير باتجاه الباب وأَعيُنهم تنظر إلي وقبل أن أفتح الباب استوقفتني تلك الفتاة:

 قف سأرافقك إلى قرية الملك الظالم، أدرت رأسي نحوها قائلًا: الظالم! اقتَربَت مني فقالت : قتل عائلتي مذ كنت طفلة صغيرة ولا تزال رغبة الإنتقام لهم كبيرة.

هَزَزتُ رأسي وأنا أفتح الباب: حسناً، عبرنا منطقة صغيرة، رأينا الناس يتجمعون على صعيد واحد، قلت وأنا أتقدم الفتاة بخطوات: دعينا نقترب لنرى. 

كان هناك بضع أناس يتكلمون لغة مُبهمة لا أفهمها، التفتُ أنظر إلى الفتاة وقد بدأ عليها إنها فهمت ما يقولونه: والله إني لا أفهم ما يقولون!  قالت لي مستهزئة: سأترجم لك بعد أن ينتهوا، وما هي سوى بضع دقائق حتى انتهوا ورحلوا وتفكك الجمع الكبير بعدها قالت لي: 

قام رجل عسكري وألقى خطابًا لأولئك المساكين بأنهم سوف يحولون هذه المنطقة إلى منطقة عسكرية وأمرهم بالرحيل والخروج منها فورًا وإلا فستباد المنطقة بأكملها بصاروخ فتاك يفتك بكل من فيها لذا وافق الجميع صاغرين لا حيلة لهم.

 صمتَتَ قليلًا ثم قالت لي: لم أعرف من تكونِ؟ حدّقتُ إليها وأنا أصطنع على وجهي إبتسامة خفيفة قائلًا: ناديني أخي، لم أرد أن أخبرها باسمي لذا تابعتُ قائلاً: وأنت بمن أناديك؟ أجابتني باستهزاء: ناديني حبيبتي ثم ضحكت .

 لم أرد لومها، لأني لم أخبرها باسمي كذلك قلت لها: هاتِ يدكِ لأرى، ثم وضعت علامة على يدها حتى أتذكرها إذا افترقنا، رَجَعت إلى الخلف منذهلة من سيفي ثم تحسست سلاحها جيدًا كانت تحمل قوسًا وسهامًا، مرت بجانبي وهي تقول: دعنا نذهب.

 

  انطلقنا حتى وصلنا الغابة التي تقبع خلفها قلعة الملك الظالم وأثناء دخولنا الغابة رأينا فتاة تائهه في الطريق، اقتربنا منها نسألها: يا امرأة أي مكان تقصدين؟ 

فقالت: والله إني قاصدة قرية الملك قلت لها: ونحن في الطريق إلى هناك ثم التفتُ إلى حبيبتي الفتاة التي معي قائلًا: والله لا أمن مكرها فلعلها عدونا فأَوْمأت لي كذلك. 

اِلتفتُ إلى المرأة ثم قلت لها: لا نستطيع أن نأخذك معنا. 

صمتَتَ لبرهة وكأنها تفكر فيما ستقول ثم قالت بسخرية: لا تستطيعون دخول قرية الملك من دوني. عقبت عليها قائلًا: وما أدراكِ؟ ما دليلكِ؟

 لكنها لم تجبني سوى أني سأعرف حينما نصل إلى هناك. إلتفَتُ إلى حبيبتي أستشيرها لكنها عوّلت الأمر إلي لذا أطرقتُ رأسي أفكر ثم قلت: سنأخذها لنعرف من تكون ثم مضينا في الغابة، ورأينا الجو غائم.. أردنا أن نسرع لنبحث عن مأوى  قبل نزول المطر.

 

  بحثنا حول المكان حتى وقعت عيني على كهف كبير يترصد أمامي، أسرعنا إليه ودخلنا ثم أخرجت حطبًا صغيرُا من حقيبتي وأشعلت النار، قامت حبيبتي برصد خيمتها وقمت أنا الآخر بذلك، أما المرأة فلا تملك أي شيء لتبيت فيه ولحسن الحظ أن لدى حبيبتي خيمة أخرى لذا سلمتها إياها، قامت حبيبتي بترتيب أحد الصخور لنجلس عليها أمام النار للتدفئة وبينما هي كذلك قامت المرأة بنقل صخرتها نحوي وجلست بجانبي، كنت حينها لا أثق بها بتاتًا وكعادة النساء تنتابهن الغيرة في كل شيء لذا غارت حبيبتي مني وابتسمت في وجه تلك المرأة حتى لا تشعر بالإحراج ثم أشاحت بوجهها نحوي فقلت: إني متعب سأذهب لأستريح في خيمتي تصبحون على خير.

 

 

  كانت خيمتي في مقدمة باب الكهف تليها خيمة المرأة وبعدها خيمة حبيبتي، كنت قد أخبرت حبيبتي بالترتيب هذا مسبقًا لنحمي المرأة عند حدوث أي خطر مفاجئ. وأنا في الطريق إلى الخيمة سمعت حبيبتي تقول للمرأة: اذهبي واستريحي في خيمتك، فردت عليها: اذهبي أنتِ، سألحق بكِ حين أشعر بالنعاس. ذهبت حبيبتي إلى خيمتها لتنام ثم وأنا أغط في النوم من شدة التعب الذي حل بي، إذا بالمرأة تدخل خيمتي وتنام بجاني خائفة ومن عادتي أن أخلع قميصي وأترك صدري مكشوفًا عند النوم.

 

 حلّ الصباح واستيقظت حبيبتي لتستحم من الشلال القريب من الكهف، وعند عودتها اتجهت باتجاه خيمة المرأة تتفقدها ولكنها لم تجد المرأة في خيمتها لذا ارتعبت فرائصها قائلة في نفسها: لقد ضاعت الأمانة، سوف أذهب لإبلاغ أخي.

 أتت الخيمة وعند دخولها تفاجأت بالمرأة نائمة في خيمتي ويدها فوق صدري، أرادت أن توقظني لكنها خرجت غاضبة من خيمتي عازمة على الرحيل دوننا، قامت بتقصيف خيمتها وخيمة المرأة ووضعتها داخل الحقيبة ثم تفقدت سلاحها جيدًا استعدادُا للإنطلاق فحملت حقيبتها وهي تغادر الكهف متجهة إلى قرية الملك.

 

- ماذا سيحدث؟

  استيقظتُ من نومي فَرأيتُ تلك المرأة  نائمةٌ بجانبي، لَطَمْتُ وَجهي: يا إلهي! ثُمّ نَهَضتُ مِن فِراشي كما تَخرجُ السلاحف رأسها من القوقعةِ إن صح التعبير! بَحثتُ في أرجاء الخيمة عن قميصي، وبعد عناء وجدته تحت رأس المرأة لذا خرجت بدونه، اتَجَهتُ إلى داخل الكهف لا أرى أية خيام! خفتُ كثيراً من أن تكون حبيبتي قد غادرت، لم أَرِد أن أتخيل ذلك ولكنني لم أجد حقيبتها أو سلاحها بالمكان، لقد صدق حدسي لابد إنها غادرت إلى القرية! انتابني الغضب فجأة وأنا أسرع في خطواتي عائداً إلى خيمتي مُصَمماً على رَكلِ المرأة بقدمي حتى تنقطع أنفاسها فتموت تحت قدمي، لكنني تمالكت نفسي حينما تذكرت كلامها عند التقائنا بها، لذا تجاوزتُ خيمتي وغادرت الكهف، كان المكان خاليًا من الضجيج لولا زَغرَدة بعض العصافير قريبًا من مدخل الكهف، مَضيتُ في طريقي إلى الشلال الذي ينحدرُ من فوقِ الجبل خلف الكهف، غَرِفتُ منه بيدي فغسلتُ وجهي جَيداً ثم شَربتُ رشفة منه، لم أستطع أن أرتشف منه مرة ثانية فهو ليس عذبٌ كفاية لاسيما بعض الأوساخ التي يجلبها الشلال معه من الأعلى.

 

  فور عودتي إلى الكهف أخرجت من حقيبتي معصب رأسي الذي وضعته سلفاً وأنا خارج من منزلي، وضعته في جبهتي ثم دخلت خيمتي وأخذت سلاحي، والمرأة لا تزال تغطُ في النوم، أخذتُ أتفحص سيفي تأهباً عند حدوث أي خطر، وقبيل خروجي استيقَظَتْ المرأة ورأتني أَهِمُّ في الذهاب، اقتربَتْ مني وهي تحملُ قميصي بيدها: هذا قميصك، سلبته منها بالقوة ثم قُلتُ موبخاً: لقد غَادرتْ حبيبتي بسببك، أنحت رأسها خجلاً ثُم ذرفت تبكي وهيَ تقول: سمعت عواء الذئابِ تقتربُ من الكهف فخفتُ كثيراً وحاولتُ أن أُوقظها لكنها لم تستيقظ لذا بتُّ الليلة في خيمتك، أنا لم أقصد الإساءة إليك صدقني، تمالكتُ نفسي قليلاً فقلتُ لها: لا بأس، ثم قمتُ بقصف خيمتي، وغادرنا الكهف متجهين إلى قرية الملك، وفي طريقنا مررنا بالكثير من العقبات، نزلنا من جبل كبير وقد ربط كل منا نفسه بحبل يتدلى من أعلى الجبل للنزول نحو الأسفل، وأثناء النزول وقبل الوصول إلى السطح بسويعات انقطع حبل المرأة فتدحرجت إلى الأسفل فجرحت قدمها بجرح بليغ، نزلت مسرعاً نحوها لأرى ما بها، فرأيت الدماء تخرج من قدمها وهي تبكي عاجزة عن تحريك قدمها فخلعت المعصب من جبهتي وربطت قدمها به، فَوَقَفتْ حينها وأَرادت السير لكنها ظلت واقفة في مكانها عاجزة عن الحراك لذا حملتها على يدي ثم انْطَلقتُ بها إلى قرية الملك التي لم يتبقى سوى بضع دقائق على الوصول إليها.

 

 

  ولما وصلت القرية فتحت بوابة كبيرة أمامي، عبرت البوابة بخطواتٍ متثاقلة من شدةِ التَعب والإرهاق الذي حلّ بي، وبينما كنت أعبُر البوابة سمعت دوي الإنذار، وكان في مُقدمتي قصر كبير يبدو أنه قصر الملك، وفوق السطح رأيتُ قناصًا يُصوب بندقيته نحوي، أراد أن يَطلق النار عليَّ لكنه توقف حينما رآني أحمل فتاة جريحة في يدي فأمر جميع الحراس بتركي أمُر، مررت نحو قصر الملك حتى اقتربت فرأيتُ الملك يَهرِع إليَّ مسرعُا وهو يصرخ بصوت خائف:

 

-ابنتي.. ابنتي.. ابنتي..

 

 فعرفت حينها إنها ابنته وأن دخولي القرية لن يتم لولاها بسبب الحراسة المُشَدَدة، نادى الملك أطباء القصر الخاصة وأمَرَهُم بأخذها مني والبدء في معالجتها فورًا، فأخذوها للعلاج ثم ما لبث أن جاء أحد حراس الملك وأشار بسلاحه نحو صدري:

 

 -اذهب حيث آمرك.

 

 فقال له الملك بصوت أجش :

 

-اتركه وشأنه، هيا غادر..

-حسنًا مولاي.

 

  دنا الملك مني وشكرني على إنقاذي ابنته

 ثم قال لي :

 

 -أريدك أن تَمكُث هنا قليلًا، إن قبلت ذلك سأزوجك أجمل النساء عندنا بالقصر، لك حرية الإختيار.

 

 وفي هذه اللحظة تذكرت حبيبتي وكيف أني لم أعثر عليها حتى الآن لذا رفضت عرض الملك :

 

-لا أرغب في الزواج الآن، لكنني سأبقى هنا قليلًا لحين غرة.

قال الملك:

-حسنًا كما تريد.

 

 ثم قام بدعوتي إلى الحفل الذي سَيُقام داخل القصر بعد قليل الذي يَضُم الكثير من الأغنياء والسادات والأمَراء وبعض الفقراء والمساكين كذلك.

 

 أُقيمَ الحفل وكنت حاضرًا، رأيت النساء الجميلات والسادة والأغنياء وباقي الحضور، وبينما كنت اجلس  و  أشرب الماء، وأنظر صوب تلك النساء من تحت القناع الذي يغطي وجهي، رأيت أحداهن تتكئ بصدرها نحو الحائط وترفض مشاركة الجميع في الطعام، انتابني الشك حينها وقمت من جلوسي لِلَحاقِ بها، اتجهت أتخطى الرقاب نحوها، ولما رأتني أتقدم نحوها انتابها الخوف والقلق لذا غادرت مكان الحفل إلى مكان آخر بداخل القصر. تبعتها مسرعًا إلى ذلك المكان، عند وصولي لم أجد أي أثر لها، لذا وددت الرجوع إلى الحفل بعد أن أخفقت محاولاتي في إيجادها، وفجأة باغتتني من الخلف وأطبقتني على الجدار وهي تشير نحو عنقي بخنجر حاد قائلة:

 

- لن أتررد في قتلك إن أبديت أي حركة.

- حسنًا.

 

ثم سحبت مسدسي من خصري ووضعته أمام صدرها بدون أن تشعر بذلك، لم أقم بأية حركة بعدها سألتني :

 

- من أنت؟ ولماذا تتبعني؟

- لن أجيبك حتى إن اضطررت إلى قتلي، أتريدين قتلي بهذا الخنجر الصغير؟!

 

  ثم بدأتُ في الضحك وأنا أضغط بالمسدس في خصرها ثم قمت بحركة مباغتة وأطبقتها على الجدار قائلًا بصوتٍ عال:

 

-من تظنين نفسك؟

 

 اكتفت بالسكوت، لم أرد أن أجبرها على الإجابة، لذا هممت في تمزيق قميصها من ناحية اليد اليمنى، مزقته ثم رجعت خطوة للخلف مندهشًا :

 

- هذه أنتِ؟!

 

  اقتربت مني بخطوات حائرة وما هي سوى لحظات حتى قمت بخلع القناع من وجهي وألقيته أمامها ولما رأتني صرخت بصوتٍ عال :

 

- هذا أنت؟!

 

ثم عانقتني فرحة بلقائي وتابعت تسألني عمّ حدث في الخيمة معي فأخبرتها بما حدث ثم قلت لها: المرأة الآن تخضع للعلاج داخل القصر، والدها الملك نفسه وهي مخطوبة من ابن عمها.

 

 اندهشت وتعجبت من كلامي ثم قالت : لقد وفت بوعدها لنا.

ثم سألتها :  كيف دخلت القصر؟

- رأيت امرأة يبدو أنها غنية وأنا ذاهبة إلى القصر للإنتقام، أعطتني ملابس فاخرة وأخذتني معها إلى الحفل، وفي الطريق علمت بنيتي في قتل الملك ثم أخبرتني بأن الملك بريء، وأن رئيس الحرس هو من قام بقتل والدي بدون أمر من الملك فقد اكتشف أبي خيانته فقتله خوفًا من إبلاغ الملك.

 -حان الوقت لتنفيذ إنتقامك.

-حسنًا

   انتهى الحديث بيننا، وبدأنا في تنفيذ الخطة، اتجهت نحو الدرج كي أصل إلى السطح واتجهت هي باتجاه باب القصر للخروج وفق الخطة.

 فتحت باب السطح بهدوء ومشيت متخفيًا ببطئ حتى اقتربت من القناص، إلتفت القناص نحوي ببندقيته وفورًا أطلقت عليه النار وسقط مع بندقيته للأسفل ثم ألقيت نظرة إلى فناء القصر، فرأيت عدد قليل من الحراس يحرسون المكان ثم رأيت رئيس الحرس يتجول حول القصر يتفقد المكان.

 

 كانت حبيبتي مختبئة خلف شجرة قريبة من بوابة القصر وعندما رأت الرئيس يقترب أخذت أحد السهام من الحقيبة وبدأت في الإطلاق، أطلقت السهم وأصابت الرئيس حتى وقع على الأرض، اقترب الحراس وتجمعوا حينما رأوا رئيسهم يسقط أرضًا وفجأة قام الحراس بمحاصرة الشجرة فخرجت حبيبتي لقتالهم حتى تغلبت عليهم واحدًا تلو الآخر، لكن الحراس إزدادوا فجأة لذا نزلت من السطح وألقيت بنفسي فوق الشجرة، كان أحد أغصان تلك الشجرة قريب جدًا من السطح لذا لم يكن نزولي صعبًا، نزلت من على الشجرة أمام حبيبتي وأطلقت النار عليهم بمسدسي.

 

 ظللنا بضع دقائق نقاتل حتى أوشكنا على قتالهم جميعًا والبدء في الهروب وأثناء هروبنا أحاط بنا بعض الحراس وقاموا بقتالنا حتى قضينا عليهم واستأنفنا الهروب مرة أخرى، إلتفتُ للخلف أنظر إلى القصر الذي أصبح في فوضى عارمة ثم تابعت إلى الأمام  وفجأة أثناء هروبنا أطلق أحدهم النار علينا فرأيت حبيبتي تسقط على الأرض مدرجة بالدماء  أمسكت بمسدسي وأردت أن ألتفت للخلف ولكنني أجدني أسقط على الأرض عاجز عن الحراك ثم اقترب أحدهم منا يضحك في غرور : هههه فقلت في نفسي وأنا أحاول رفع رأسي عن الأرض: من هذا؟ وما أكاد أنهي حديثي حتى اقترب منا وتوقف وهو يصوب بمسدسه نحو حبيبتي قائلًا:

  -يا للأسف لم أمت كما ظننتي أنظري إلى حالك الآن كيف صارت؟!

  فرفعت حبيبتي رأسها تنظر إليه بحقد قائلة:

 -هذا أنت أيها القاتل!

ثم التفتت نحوي حائرة: ولكنني قتلته بسهامي!!

  لم أدري ما أقول لذا استجمعت قواي وأمسكت مسدسي بكلتا يدي محاولًا قتله لكنه ركل مسدسي بقدمه بعيدًا عني وضغط على يدي بالقوة ومسح بها الأرض مسحًا حتى تشققت يدي من الألم ثم أشار بمسدسه إلى حبيبتي مرة أخرى قائلًا :

 لقد سمعت الحديث بينك وبين المرأة، يا لسوء حظك أرتدي درع في صدري كلما ذهبت في جولة خارج القصر لحماية نفسي،ثم سكت لهنيهة وهو يحكم قبضته على المسدس فقال:

 ستموتين هنا والآن هههه، حاولت أن أوقفه قائلًا له: 

محاولًا سحب نفسي إتجاه حبيبتي : توقف، لا تقتلها أرجوك .. 

فقال لي مستهزئًا : لا تخف ستموت أنت هنا أيضًا.

 

  صوب مسدسه نحو رأس حبيبتي كي يطلق النار عليها فخفت كثيرًا من أن يقتلها وفجأة سمعت إطلاق النار وإذ بي أجد رئيس الحرس يسقط على الأرض ميتًا فاقترب أحدهم إلينا وبرفقته مجموعة من الأطباء، إنها ابنة الملك، نقلونا إلى ألواح الإنقاذ ثم حملونا فوق طائرة طبية صغيرة باتجاه القصر، كان الملك وبعض حاشيته حاضرين، إلتفت إلى يميني فرأيت حبيبتي تتنفس بصعوبة بالغة، إلتفتَت نحوي مبتسمة وهي تمد يدها إليّ لذا حاولت جاهدًا تحريك يدي لكنني لم أستطع، اقتربت أبنة الملك مني وقامت بسحب يدي وضمها في يد حبيبتي وقالت : هكذا، ثم عادت إلى مكانها.

 

  وفجأة أجدني أرى حبيبتي والملك وابنته وحاشيته قد اختفوا وتحول كل شيء أمامي إلى ضوء أبيض ولم أعد أرى أي شيء أبدًا حتى غطى الضوء جسدي وبدأت أتلاشى شيئًا فشيئًا وأنا أصرخ بأعلى صوتي: لا 

 ثم استيقظت من نومي فزعًا لقد كان حلمًا...

كل ذلك كان مجرد حلم ، لقد كنت مرهقًا جدًا قبل أن أنام، نظرت إلى الساعة في يدي وإذ بي أسمع صوت الأذان :

 أووووه حان وقت صلاة الفجر، ثم تركت سريري كي أذهب إلى المسجد للصلاة.







___  ___

۩أفيون الروح۩

                                            سارة محمد العاني 






 


تراتيلٌ سماوية عيونُ الماء، ذاكرة الجسد، فتاةُ الأمل.

في بدايةِ التسعينات في ليلةٍ من ليالي مارس، فتاةٌ ذات جدائل كستنائية وبشرة مخملية، صاحبةُ وجنات متلألئة تملكُ ثلاثة وعشرون زهرة هي: 

( مريم) ولكن شيء واحد خيم عليها وهي إعاقتها منذ الولادة هي فاقدةٌ للنطقِ وتعيشُ بين عائلتها تتكون من أخاها أحمد الذي  يملكُ تسعة عشر ربيعًا، وصاحبُ العطاءِ أباها (محمود) موظف بسيط،

واليد البيضاء الأم (فاطمة) خياطة في أحدى أزقة بغداد تدورُ الأحداث حول هذهِ العائلةِ اللطيفة، وكيف كانتْ حياتها بعد فترة وجيزة التحقت مريم بأحدى معاهد الصم والبكم لكي تستطيع أنْ تتماشى مع الناسِ، وتحاولُ أن تحققُ بعض من أحلامها البسيطة كان لديها موهبة فن الرسم حلم من أحلامها افتتاح معرض للرسم بدأ الدوام، لتتفاجىء بوجود صديق طفولتها علي قد أصبح أستاذ في المعهد، قد فرقتهم الحياة بسبب الانتقال إلى منطقةٍ أخرى، وفي أحد الايام كانتْ جالسةٌ في ساحةِ المعهدِ ترسمُ ومندمجة في رسمتها إذ قام بالمرورِ، أستاذ علي ذو السبعة والعشرون وقال لها بلغة الإشارة "أهلًا مريومة ما هذا الرسم التحفة.. فعلًا أنتِ فنانة "

 أجابتهُ بلغة الإشارة :

" لقد أخجلتني يا أستاذ ، آه لمْ أكنْ أعرف إنها بهذا الجمال " 

ومرتْ الأيام وازداد الاهتمام لمريم من قبل أستاذ علي،

والحنين قد حلقَ على قلبهُ من جديد وتحولتْ علاقتهم إلى إعجاب،

 لحظةٌ من اللحظاتِ ....

أحس علي بشعور نقي وصافي يراودهُ عند رؤية مريم.

إنه العشق الأبدي وهذا الشعور أزداد يومًا بعد يوم إلى أن أصبح عشق سرمدي لا يفترقان عن بعضهم ، قررتْ مريم في أحد الأيام رسم علي حبيبها الروحي في المعهد جالسةٌ ترسمُ عشيقها وهو يتغزلُ بها:

"كل ما قرأتُ سورة مريم تذكرتها،

فأرتل السورةوأعيد الأسم 

مرارًا وتكرارًا على مسامعِ القلبِ

لعلي أحظى ببعض الدفء ..

أتحسس الأحرفكـلمسي لشيءٍ مقدس

من إرث الآلهة "

وجاءت إليها إيحاءات من داخل عقلها الباطن بدأت بالارتجاف، وعلي تفاجئ والخوف خيم على أنفاسها، لكن لم يفهم خوف معشوقتهُ عليه،

ثم انبهر باللوحة التي رسمتها، بعد ذلك ذهبَ علي إلى مكتب المدير كان يُريدُ بعض أوراق تخص العمل لكن تفاجئ بمستنداتِ الفسادِ في نفس اللحظة دخلَ المديرُ ليصعقْ بالموقفِ فقامَ علي بتهديد المدير لكن المدير لمْ يحركْ ساكنًا وأخبرهُ أفعل ما تريد، فخرج علي مسرعًا ..

ذهبَ علي إلى مركزِ الشرطةِ القريب على المعهد؛ ليشتكي على المديرِ، وأثناء تقديم الشكوى على المدير، تصابهُ الدهشة لأن المدير متفق معهم ووقفوا ضد علي، تمشى علي والألم والحزن يتداخلُ بجسدهِ الهزيل،

أصبحَ الصباحُ فكرَ علي إن يشربُ مع مريم شاي، ذهبَ إليها في الحديقةِ المجاورةِ للمعهدِ،

ألتقى علي مع حبيبته :

_ صُباحكِ مسك يا ملاكي

_صُباحكَ نقاء يا  معشوقي

جلسوا وكانوا يتحدثون عن الملفِ الذي وجدهُ علي عن المديرِ، عندها جاء إليهم رجلين وهجموا على علي بالقوةِ وأخذوهِ بالسيارةِ، عندها مريم جن جنونها لكنْ لمْ تستطع الصراخ بسبب وضعها، ركضتْ على أمل لحاقهم، لكنّ كانوا أقوى وأسرع منها، ولمْ تستطع الوصول لهم، بدا الحزن والبؤس عليها، عندها عادتْ إلى البيتِ وجلستْ تتكلمُ مع أبيها لكنْ لم يفهمْ كلامها، ذهبتْ إلى غرفتها وارتحلتْ مع أفكارها، خطرتْ على بالها فكرة تذكرت صديقها الكلب الوفي، الذي تعرفوا عليه قرب مكانهم السري هي وعلي، أصبح الصباح والعصافير تحلقُ بين زهور الكاميليا، ذهبتْ إلى المعهدِ لكن متنكرة بزي عاملة النظافة، ثم دخلتْ إلى غرفةِ المديرِ وقدمتْ لهُ كوبٌ من البن لكن اوهمتهُ إنها سكبتْ البن على قميصهُ الأبيض قام بالصراخ عليها، ثم ذهبت لكي ينظفُ قميصهُ وبدأت بتفتيش درج المكتب لكي تسرقُ أوراق الفساد وتساعدُ بها علي، فوجدتها وأخذتها فهربتْ مسرعة، بعدها قررتْ أن تنتقل إلى مكانهم السري، ورأتْ الكلب وأخذتهُ معها وانطلقت مسرعة إلى الحديقةِ لكنْ ماذا فعلتْ؟ قامتْ بشميم ملابس علي للكلبِ لكي يتبع الأثار خلال فترة وجيزة أخذتها الخطوات فترى إنه بستان مهجور، علي حبيس فيهِ، بعدها ذهبتْ إلى المركزِ الرئيسي مع الكلب وسلمتْ جميع الملفات وأخبرتهم بمكان علي

_قاموا في الساعة الثانية عشر ليلًا _

بالهجومِ على المكانِ، مريم كانتْ معهم بدأتْ تفك حبل علي لكنْ مريم أصيبتْ بطلقٍ ناري من أحد أعضاء العصابة وارتمتْ على الأرضِ، فنقلوها إلى المشفى،

وألقوا القبض على العصابةِ وعلى المديرِ وكل شخص قامَ بهذا العمل الجبان، مريم أصبحت في غيبوبةِ وكان علي كل الوقت معها يهتمُ بها، بعد أيام فاقتْ مريم والمفاجئة أصبحت تتكلم، لسببٍ أنها من فزع الرصاصة عاد النطق إليها، قرروا أهل مريم عمل احتفال بأبنتهم الرقيقة..

 

وأرسلوا دعوات للأصدقاء ولكل شخص يُساند مريم ويحبها، جاء يوم الحفل ومريم كانتْ بأجمل طلة جذبتْ أنظار الكل لكنْ شخصٌ واحد أخذَ قلبها وشرايينها، قُرة عيُنها قامَ أمام الجميع بطلب يدها، وهنا الفرحة الأكبر لها ولقلبها النقي تمت الموافقة، وتناثرت الفرحة بين الحضور وعُزفتْ الألحان لها وتناثرتْ الأماني لأجلها.

 

___  ___ 

 ۩ الحلم الأخير۩
خضير جمال الجبوري










في وسطِ بحرٍ أظلمٍ ومياهٍ تُغَني كأنّها صوتُ عذارى وبردٍ وأمطارٍ، وأنا أُبحرُ في سفنِ الخيالِ، وإذ أصلُ إلى غابةٍ متعبةٍ، فيها أصواتٌ اشْعرُ بِأنها تُناديني، فنصحني قائدُ تلكَ السفينةِ الخبيرُ بعدمِ الدخولِ إلى تلكَ الغابةِ  المُظلمة والبقاء قربَ ساحلِ الغابة في غسَقِ الليل، وكأنَّي أرىَ في تلكَ الغابةِ الحُلم الأخيرَ، وأنهارٌ مِن فيضِ العيونِ، وتسارعٌ في نبضاتِ القلبِ، والهزيمة، وافتراءُ العُشاقِ في عيونِ الأشجارِ وكأنَّها أشخاصٌ وانقيادُ العقلِ الى الخيالِ، وعيشُ اللحظةِ، وتمردُ القلبِ على العقلِ

" فيهَا نوعٌ مِن تمردِ الجسدِ وقتالُ الواقعِ وهزِيمةُ الخوفِ، ومقاصدُ الأستكشافِ"

 فقمتُ للحظةٍ انظرُ إلى الغابةِ وكأنَّها تناديني بصوتٍ مُخيفٍ واندفاعٍ. فتعرقَ العقلُ، واختلَ توازني على أقترافِ حنينِ الفوضى، فسمعتُ اصواتاً كأنَّهم أشخاصٌ مُذنبونَ في الجحيمِ، فقنعَ عقلي بظلمِ الأفقِ ونحولِ الجسدِ بالتقدمِ لأنَّهُ لاتَ حينَ انسحاب.

 ولمجردِ أنْ تقربتُ منها لبضعِ خطواتٍ، وإذ بي أرى فيها الخوفَ والقدسيةَ كأنَّها معبدٌ يَحرقُ فيهِ المذنبونَ، فبدأتُ بالتعرقِ، وأُغميَ عليَّ في وسطِ نباتاتٍ كثيفةٍ.

مرَ الوقتُ من تبعثرِ الأفكارِ، وانصياعِ النفسِ لهوى المجهولِ، وحُبِ التمردِ علَى واقعِ الحياةِ، وانهيارِ العاطفةِ، ومعَ تأزمِ 

المشهدِ، وانا أسمعُ، بصوتِ الهجرِ، وخيبةِ الأملِ، وَاللامبالاةِ، والخذلانِ وقت الشدةِ، بينما أنفاسي تُعانقُ الموتَ، وبعدَ ساعاتٍ، جلستُ إذ لا أرى أحداً وسفينةُ الأملِ رحلت إلِى طرِيقِ الهجرِ، والخوفُ يملكُ فكري، ما قصتُ تلكَ الغابة؟

فحدثت حربٌ في فكري، الخوفُ يُقاتلُ الإرادةِ، وأنَا أنظرُ إلى تلكَ الغابةِ، إذْ أرَى منظرًا يَهزمُ الخوفَ ويُزيدُ الإصرارِ، وأنا أرَى أيادي ناعمةً في وسطِ غابةٍ لا يصلها الضوء، فسمعتُ أصواتاً كأنَّها نعيم، وكأنَّي في الجنانِ، ازدادت عزيمتي وهوى نفسي وحبي لتمردِ الواقعِ المبعوثِ من هذا المظهرِ البديعِ بالتقدمِ.

 

 تقربتُ منها بضعِ خطواتٍ، وجلستُ قربَ الحشائشِ على تلةٍ عاليةٍ، ونسيمٍ عليلٍ، وأنا أنظرُ الى السماء وانتظرُ شروقَ الشمسِ، أنتظرتُها كثيراً، ولكنَّها لَم تأتِ!

"كأنَّها كانت الأمل الأخير، والوَاقع المرِيض، خسارة الأحبةِ التي لا مُجسمَ لشعورِها، وتدهورُ الأحوالِ، وإنْقِطَاعِ الأمالِ وكثرةِ السؤالِ"

يا إلهي، ما هذهِ  الجزيرة ؟!

 فنفجرتِ الكوابيسِ، وهواجسِ الضَياعِ، هل ذهبت  الشمسُ عنِ الأرضِ ما الذي يجري؟!

فانسدلت الظنونُ،  والأوهامُ تحاربُ عقلي بكلِ هواجسِ الخوفِ، إلى  أنْ أُجهدت الأفكارِ فارتمت  إلى واقعِ اليأسِ، وفراقِ الاحبةِ، وابتعادُ الأملِ.

 وبعدَ لحظاتٍ قررتُ الدخولَ إلى الغابةِ لمحاربةِ المجهولِ. فتقربتُ أكثر وجسمي يرتعش منها، اقتربُ من نهرٍ عظيمٍ يفصلُ بيني وبينَ الأملِ المهلكِ، ولم يكُ خوفي من الموتِ ولكن من شتاتِ الأفكارِ وأصواتِ الأنهارِ، وفي لحظاتِ المجازفةِ  تخليتُ عن مشاعرِ الضياعِ  وتبعثرتِ الأفكارِ، وسلكتُ طرقَ الأرادةِ والعزيمةِ، وتحقيقِ المرادِ، ونيلُ الطموحِ، فوقفتُ على صخرةٍ أنظرُ وأنا أكسرُ حاجزَ الترددِ، والإنقلابِ على خوفِ الحرمانِ، ونسيانِ الموتِ، وإذ أرى في ظلامٍ وهدوءٍ، فِي هذا النهرِ العظيم، قَدَاسَة كأنَّهُ يحوي أجسادَ الأنبياءِ، فسمعتُ صوتاً من داخلي، يخبرني بأنَّ هذَا هو نهايةُ الطريقِ، ويوهمني بأنَّ الموتَ بهذا النهرِ، تجعلني قديساًَ، فتحركت اقدامي على معصيةِ الهلاكِ، وأختيارِ الجحيمِ، وهوى العصيانِ، ومخالفةِ الرحمنِ، فتكلمَ شخصٌ في داخلي،  لا تقترفْ مسالكَ الخسرانِ، فرجَّحتُ كلامَ الأيمانِ، على كلامِ الشيطانِ، فاجتزتُ هذا النهرَ بطرقِ العزيمةِ وقاربِ الأنتصارِ، دخلتُ في غابةِ الطموحِ، فوجدتُ عيونَ الأشجارِ المرعبةِ، كأنَّها وجوهُ المحبِّطينَ، وخسرانِ الأملِ وضياعِ السنينِ، وقبلَ أنْ أدْخلَ في أعماقها، ودعتُ السماءَ الجميلة التي أرى فيها الحبَّ والوفاءَ حتى الفناء.

           فقلتُ لها:لا تحزني فالخذلُ ليس بشيمتي.

فسمعتُها تَردُّ بصوتٍ عظيمٍ، معَ غيومٍ تحملُ الدموع، وهيَ تخبرني بهجرانِ كلِ من أَحبَّها .

        هي تقولُ:قتلتَ القلبَ واجتحتَ الفراق

                         فما لكَ يابنَ آدمُ من رفاقِ

 فأثرَ في نفْسي، وَقلَّلَ عزيمتي، وَانهارت قوتي، وهجرانِ جميع من أُحب حتى السماءَ والغيومَ والشمسَ.فجلستُ أقولُ: 

خسارةُ عاشقٍ قد مزَّقتني

وهجرُ أحبَّتي مرُ الفراق

ونفسٌ من جحيمٍ لقَّنتني

وبعدُ الحزنِ وامتنعَ التلاقِ

 وأَنا في إنقطاعِ الأملِ، وضياعِ الدروبِ وتحطمِ قاربِ النجاةِ، واليأسِ من العودةِ، وأنا في هذا الموقفِ وأذ بي أسمعُ الصخرةَ تتكلمُ، لمَ الخوفُ يا ابنَ آدمَ، فأنتَ تخافُ منكَ جميعُ المخلوقاتِ، وأنتَ خليفةُ الأرضِ، ونحنُ مسخَّرينَ لخدمتكَ،

فأصابني الهلعُ والخوفُ الشَديدِ، وإذ بأَقدامي تهزمُ الثباتَ.

سقطتُ على الأرضِ، وأنا أسمعُ ضحكَ الأشجارِ و الأشواكِ والصخورِ،ونباتاتِ الأرضِ، وأنا أسمعُ صوتَ الشماتةِ، والعنصريةِ. وهي تقولُ:

عظيمُ الشأنِ سلْطانُ التباهي

    رقيقٌ يابنَ آدمَ أنتَ واهي

 

وأنا اتكلمُ مع نفسي" لو هويتَ القاربُ ما هويتَ ياقلبُ، قاربٌ قاربَ الموج محطم، وساحلٌ ساحلُ المكروبِ على رملهِ، فأين النجاة؟" 

 

أنظرُ إلى من حولي، يفرحونَ بعجزي وخوفي وإنكساري، وإذا بي أسمعُ صوتَ الأملِ، هناكَ مخلوقٌ واقفٌ إلى جانبي، وأنا أنظرُ إلى عظمتهِ، وهوَ يسكتُ أفواهَ المحبطينَ  فأنشدَ يقولُ

أصمِّي صخوراً فهذا ابنُ آدَم فيخبرني، بأن أتوبَ إلى  الرحمنِ، واستدعيتُ قُوَتِيْ، وَأنَا أسْألُ العَزِيْمَةَ من هذا المخلوقُ؟

فقالت:

" قد رأيتكَ قدرَ أيتك فما تعلم، وما وقى الله قاربٌ فيه الشكُ الخوف" مرة أخرى أسئل من هذا المخلوق؟

فقالت:

"الإخلاصُ الناجعُ، وبيضُ وجهِ الهاجعِ، تغيُّرِ المصيرِ، وأسرارِ توبةِ الراجع، مخرجكَ من الأوهامِ، ومطمسُ الأسقامِ، 

وسوارُ الأنغامِ، رسولُ الحيوانِ ومهجعُ الوسنانِ، وقاربُ التوهانَ، إنهُ هدهدُ سليمان"

 قلتُ لهُ: ما أجملُ منظركَ!

 فقالَ: قد حكمَ عليَّ سليمانَ ع  بالموتِ فكانَ نجاتي من الغافلينَ، وَإنَّهُ محكومٌ حكمُ الأنبياءِ، فاتعظ أيها الأنسانُ، فقمتُ وأنا أدخلُ في هذهِ الغابةِ المرعبةِ، وأنظرُ إلى يد ناعمة وجميلة تمسكُ بيدي، حوريةٌ كأنَّها المرادُ والغايةُ والحلمُ، لم أجد أجملَ من ذلكَ المنظرِ، فصعقتُ من هولِ جمالها.

 فقلتُ: كيفَ تكونُ حوريةٌ جميلةً مثلكِ في وسطِ هذهِ الغابةِ؟ فهل أنتِ ملاكاً من السماءِ؟

قالت: أنا الأيمانُ والعزيمة، أنا العمل والشكيمة، أنا الأملُ الذي دفعكَ لِلدخولِ إلَى غابةِ التحدي، الذي تموتُ فيها جميعُ الكائناتِ، بسببِ  أنانيةِ أشجارها وصخورها المُحَّبطةِ، وأشواكها التي تريدُ منكَ التوقفَ، وخسارةَ أعظم شيءٍ فسكتت فجئة، وأنا أنظر إليها بفضول كبير وتسائل مرير، ما هو أعظمُ شيءٍ أخسرهُ وأنا في هذهِ الغابةِ وحيداً؟

قالت إنَّهُ إنْ جهلتهُ  خسرتَ كلَّ شيءٍ، وخلدتَ في الجحيمِ، فتضرع أيها الغافلُ السقيمُ.

 قلتُ: من هو؟

 قالت : إنَّهُ اللهُ  ياهذا، نظرتَ إلى سفينةِ الأملِ فهجرتكَ في وسطِ اليأسِ، وتخاذلُ الشمس عن نصرتك، والسماءُ تخلت عنك، فهل ذاكَ أملٌ؟

 

فاستغفرت الرحمن، من أهواء الشيطان،  فتوكلتُ على جلالتهُ، وإذ بي أجدُ طريقَ الأملِ من تحقيقِ الأحلامِ  في الرجوعِ إلى  مواطنِ الطَمُوحِ، ونيل المرادِ، وغمس الخوفِ في وحلِ الأنتصارِ بعدَ أن وصلتُ إلى حقيقةِ الحلمِ والدخولِ في موطنِ ألإستقرارِ.

 

 ❀___ ___ 

۩ حلم يرفض أن يتحقق۩

                           

حسين جاسم





اسمي سواد ظنَ أبي أن الليل من أنجبني وليست أمي، عمري ثلاثة وعشرون جرح.

أسكن في قوقعةٍ تشبه آمالي المُبعثرة على صدرِ السماء،

لا أملك سوى فقري، ترفض الغيوم العقيمة أن تمطر الرغيف! أمي بعد ولادتي قررت السبات في أحدِ القبور، من يومِها لم تزهر الزهور من مساماتي!

 أبي هوايته تعنيف الأجساد التي انقذفت من صلبه،

يعاقب نفسه بحرقي كم هو فنانًا حقير مرة رسم لوحة محترقه على وجهي، ذكرى لن أنساها هذا ما أرثته منه فقط تشويهي،

لا أملك أصدقاء فقط تلك المخدرات التي اتعاطاها لأشعر بالحياة الوردية، أشعر بأني إنسان نفخت به الروح،

 لا ليتطاير كالرماد بعد حرق الأوراق.

ففي يوم من الأيام قررت أن أغير حياتي، لا يُمكن لمثلي أن يكون جرمًا صغير بهذا العالم،

سرقت من أبي بعض النقود فهذا ليس بعيب فهو سرق جميع أحلامي وأنا أرد له الجميل من بابٍ ثاني، خرجت إلى أحد الأسواق كان يضج بالبشر المتعفنين، رائحة عقولهم النتنة كنت أشمها على بعد أميال من أجسادهم الشيطانية،

للحظة غير موعودة رأيت فتاة كأنها آخر تصميم للرب ليعترف للناس بجماله، كانت تنافس زليخة بأعينها كأنها أحد تلك الأميرات في القصص الخيالية!

 

أعجبت بها لحد لا حد له، واحببتها من أولِ يوم!

نبض قلبي شعرت به ينبض وأخيرًا أنا أنسان أنا أشعر أنا أحب، رجعت للبيت وكنت أسرع من دموع أعيني، عدنا تنزق ليلًا إلى مقبرة الخدود.

خيطت قماشي المُمزق ليكون جميل، رتبت شعري المُبعثر اطلقت لحيتي ووضعت أحد العطور التي أنتهت صلاحيتها منذ الحرب العالمية الثانية!

 

بدأت أرتب كلماتي كيف أصارحها هل سأنال أعجابها؟ 



فقررت أن أطلق مشاعري على أوراقي تارة اعجز عن التعبير وتارة تتزاحم الكلمات بفمي!

وأخيرًا وبعد خمس شهور أكملت عشر دواوين غزلية، حروفه لؤلؤ منثور، بل قناديل تُضيء عالم الديجور،

 سخرت جميع مشاعري، وحيي أنزلته رغمًا عن أنفه، كان كآخر باللور معلق على حائطٍ أبيض.

ذهبت لذلك المكان وأنا على يقين بأني سأجدها فالرب كان يساعدني كثيرًا أعجبته فكرة أن يتغير أمثالي ويحبوا مخلوقاته، فشعرت بأنه فتح لي أبوابه، نسمات الهواء التي كانت تداعبني هي رسائل الله،

لم يخيب الله يقيني، وجدتها بنفس المكان واقفه دون حركة ولكنها غيرت فستانها الأزرق!

لا يهم دويان الفستان الأزرق سأحتفظ به لأطفالنا، تقدمت لها كانت قدماي تخط بلأرض كأخر لقاء لعاشقين فرقتهم محطة سفر!

 بعد تلك الخطوات التي كلفتني ألف شهيق وزفير بالثانية الواحدة وقفت أمامها كصنم ينتظر إبراهيم أن يُحطمه!

لطفت بي تلك الرسائل السماوية دفعتني النسمات الإلاهية فانطلقت بالحديث،

- لا أعرف أن الله جميل لهذه الدرجة! ما سر جوهرك؟ لماذا أشعر أن عيونك أوطان المتغربين في بيوتهم؟

- صمت!

- لماذا لا تتكلمين ألم يعجبك ثوبي ورائحتي وكلماتي، أم أنكِ قصيدة وجدانية صامتة؟

- صمت!

- أرجوك كلميني أنطقِ حتى لو بكلمةٍ واحدة ساصفق لكِ كأنها أول وأخر كلمة أسمعها في حياتي، فأنا شراع السفن وأنتِ رياحي، خذيني لأي جزيرة تخلو من البشر ونعيش كملائكة تتغذى على نورها، يا يسوعتي لا تصلبي كلماتي فأنا لا أملك حبًا غيركِ.

وبعد هذا الحوار الذي يقتله الصمت،

سمعت صراخ أحدهم بقربي

- يا أحمق من تكلم أنت هذه دمية لعرض الملابس.

وقتها قررت الشمس أن لا تبزغ والأرض ابتلعت نفسها، والمواجد أحتلت العالم، وأنا ما زلت أنتظر من تلك الدمية أن تبادلني الشعور!


___ ___

۩ آلي بيانكي۩ 

                          

 حفصةمحمد  









نشتهي أن نرى الضوء بين الحين والآخر نكبر تحت النوافذ الكبيرة داخل غُرف المَهجَع العميقة رُبما في سرداب مظلم أو نفق، كيف يُمكن عبور هذا الظلام؟ لنتحرر إلى حيث أحلامنا فوق سطح الأرض إلى تلك البقعة المشهورة خلف جدران غرف نومنا، نحن الفتيات نجتمع يوميًا نصغي لأصوات لا نعرف ما شكلها صوت مُغني يُدعى صرصور، وصوت رعد وبرق تدفق مياه وقرقعة أواني تقول خرافة أن القطط تعزف ليلاً على النفايات، صوت مطر وجلبة حديث تدعى عصافير، من أين ولدنا لنحشر في هذا القبو؟ 

تحت نظام قاسي أين تركونا ما يدعىٰ الأباء والأمهات؟ 

كيف أخبركم عن الإنسان وأنا إنسان أعرف مُحيطي فقط وكيف لي أن أكتب عن كل هذه الأشياء دون أن أتعلمها حتمًا، كانت هناك فتاة تحاول عبور سرداب هذه الحياة المظلم لأنها شعرت بأنتماءها لبقعة تمتلك شمسًا سأعرفكم على قصتي.

كيف يعصر الماء المالح ظفائرنا صديقتي تظن أنه ماء فقط وأن طبيعته هكذا مالح كنت أعلم أنه بدون طعم ولا لون ولا رائحة وأن هذه المياه المالحة تتلف الشعر،

 ولدنا وكبرنا في مكان معًا دون علمنا من أين أتينا؟ 

هكذا لكني كنت أعلم وهذا أقسى منهن لأن أمي هي من وضعتني في مهجع الفتيات الجميلات والصحيحات حتى أنني كُنت أكبرهن أنا فتاة طموحة وفضولية بطبعي كنت أطلب من أمي أن تكتب لي رسائل ترسلها لي بسرية تامة مع 

العاملة في مطبخ المهجع، وبهذا طلبت منها مرة أن ترسل لي كتب بعد محاولات صعبة مع العاملة وأمي في كل رسالة أكتب لها لماذا وضعتيني في بقعة ظلام وأنتِ في بقعة ضوء؟

في كل مرة لا تجيب على سؤالي، بعد مرور أشهر تعلمت الكثير حول العالم أكتسبت خبرة المُحقق لإكتشاف ما أنا بحاجة له.، في يوم ممطر والرعد يفزع الفتيات، فرشات الأسنان تتزاحم في الطابور، رغوة معجون الأسنان منتشرة في الأرض والجدران كأن ثورة بكتريا متنكرة داهمت الحمامات السفلية، كنت لا أزال اتعامل مع الأحداث بصمت وهدوء للوصول لبقعة ضوء خلف هذه الجدران العتيقة المكتسية بالطحلب الأخضر ونقيق الضفادع في أعلى سطح المخزن تراود الأطفال حكاية أن هناك عجوز مجنون يَسكُنهُ يلتهم الأطفال وخلاف الأمر أظن إنها قصة خرافية كقصة (السعلوة) التي تقصها الأمهات الغبيات على أطفالهن لترويعهم حتى يخلدوا للنوم مبكرًا.

بينما كُنت أمشي في الممر الخلفي بخفية دون علم أحد فسمعت صوت آلةٍ ما!

 وصراخ أطفال لكن كان الصوت عميق ذو صدىٰ تسللت للأعلى قليلاً دخلت في فوهة مستطيلة تطل على هذه الغُرفة شاهدت رجال يرتدون أبيض كما قرأت في كتابٍ ما أنهم أطباء، سمعت أحدهم يقول لدينا عشرون كبد طازج وقلبان جاهزان للنقل في صندوق الفريز ووو كان الأمر مُرعب هنا نحن نقسم لقسمين الأول سرقة أعضاء الأطفال ومنهم الأكبر سنًا للتجارة بها، والقسم الآخر يُرسلون بقية الفتيات الأكثر جمالاً للملاهي الليلية، وهذا ما جعلني أصنع أثر تشويه بين جِفن عيني نزولاً لأسفل خدي حتى أنني قصصت ربعًا من شعري، 

كل يوم يزداد غضبي لأمي هل هذا هدفها أو حمايتها لي من الفقر لقد وضعتني في قبر وأنا أتنفس الأوكسجين من ثغرات طبقات الأرض الرطبة، بعد مرور أشهر أستطعت الهروب أخيراً مع الخادمة التي ساعدتني كونها تعاني من هذا المهجع أيضًا، وصلت الى عنوان منزل أمي عن طريق طابع رسائلها في الظرف ذهبت لمركز البريد وطلبت منه العنوان الحقيقي، كُنت أركض وشريط ذاكرتي يدور بسرعة معي شعري مجعد وجهي مشوه وملابسي طرازها قديم حذائي موحل من طريق الغابة الرطب بالأمطار، لبرهة شعرتُ بدوار وجثوت على ركبتاي صرخت وأنا أبكي، الكثير وقف ليساعدني لكني لم ألتفت لهم وقفت مُجددًا بقيت قرابة أسبوع أُراقب طريق أمي خروجها وعملها ووو... يا إلهي لقد تزوجت وهي ليست فقيرة! لديها منزل ووظيفة وزوج جديد  ما الأمر؟!

ذهبت لأقرب مركز تطوع أنتقيت ملابس مدرسة وأخذت بطاقة الهوية التي تعلق في أعناقنا كأبقار للتجارة لكن سنرى يا أمي، سجلت في المدرسة لم اواجه صعوبة لأن المدرسة حكومية ومديرتها لطيفة لقد حالفني الحظ، كان اليوم الاول لي في المدرسة لا أعرف كيف أتصرف مع أقراني أنهم مهيئون للحياة جيدًا أخرجت كتابً ما من حقيبتي قرأت عن المدارس وكيفية التعامل مع نخبة من الطلبة وهكذا سار الأمر كُنت أرتدي قبعة دائرية لكي لا تلاحظ أمي، سارت الأيام هكذا، يومها كان الثلج يهطل تذكرت صديقاتي بالمهجع وصوت صراخ الأطفال في غرف العمليات، 

فجأة يقاطع أفكاري صوت المُعلم يا فتيات سنُقيم مسرحية مدرسية نهاية الاسبوع وسأوزع الأدوار عليكن كُن على أستعداد، أزداد نبض قلبي لا أعلم ما هي المسرحية لاحظت الجميع سعيد فأخذت الكتاب ذاته الذي يتحدث عن النخبة المدرسية فوجدت نشاطات المدرسة ومن ضمنها المسرحية قرأت الكثير، غفوت تحت عامود كرة السلة وسط فِناء المدرسة أستيقظت مع بزوغ الفجر وصوت خشخشة مكنسة عاملة نظافة المدرسة، نهظت وغسلتُ وجهي من نافورة المسجد، انتظرت قدوم الجميع.

 

لم تستطيع أمي ملاحظتي جيدًا لأنها كانت ترسل رسائلها فقط ولم أحظى بالتعرف عليها فقط قدمها عندما كنت أٌشاهدها من تحت النافذة، لقد أصبحت كبيرة هل ستلاحظ الفرق على ملامحي؟ 

كُنت أبحث بعمق عن سبب وضعها لي في المهجع لديها أطفال لماذا نحن تضعنا هناك؟

 وبينما كُنت أُفكر بصوتٍ منخفض قاطعتني المعلمة وأعطتني دوري في المسرحية كان دوري كقدري أنه لحظ سيء أن يكون دور المسرحية مشابه لحياتي الواقعية أيضًا بدون أم وأني الطفلة التائهة الشابة بدون دعوة حُب لعائلةٍ ما! 

تُرى هل أبتكر شخصيات ملائكية لأستطيع العيش معهم بحُب مُطلق دون خوف من هجر؟

 أتجهت نحو مسرح المدرسة اتبع بقعة الضوء من ناحية المسرح إلى هدفي الذي أنتظره منذ تساؤلات حياة المهجع لأرى أمي ماذا ستفعل حين رؤيتها لي؟

كان الوقت يأكل أطرافي وصوت الساعة يرتطم بي، 
أجتمع جمهور صغير بدأت جبهتي تتصبب عرقًا،
 أخذت نفس عميق وأغمضت عيني ساردة أحداث 
المهجع وصوت الأطفال
 وكل الجلبة هُناك دار شريط سريع في عقلي وتسارعت نبضات قلبي، ويداي ترتجف كانت بيدي اليُمنى مقص صغير لقطع
شريط البدء لبرهة بين كتلة الغضب والذكريات السريعة داهمني صوت أُمي على المسرح كانت تقف خلفي وترشدنا كيف نلقي النص المسرحي وفجأة صرخت بصوت هز المسرح                                  "كفى"
    “أصمتِ" ودون علمًا مني غرست المقص في كبدها.

___ ___ 

۩ضياع مرمم ۩ 

عبدالغني الأهدل









بعد أن دخن آخر لفافة تبغ تراخى على الكرسي المتأرجح ببطء ودلّى يديه على كتفيه، وهز الكرسي هزة أخيرة، كانت الخاتمة للاهتزازات السابقة ثم نام، أصوات الأمواج أخذت تصطخب بقوةٍ من الخارج كأن هناك عاصفةً ما سوف تلتهم كل شيء، كانت الساعة الرابعة فجرًا عندما بدأت الستائر قبالته تتحرك بلا هوادة بفعلِ تيارات النسيم البارد، الذي كان يَجيء من البحر، الستائر، النوافذ الزجاجية، الأوراق على الطاولة، كل شيء بدأ يَتحرك حتى الملابس الفضفاضة التي يَرتديها، ولكنه كان في عالم آخر، لم يشعر بشيءٍ مما يحدث، الفصل الأخير من القصة التي كان يَكتُبها كان قد سقط على الأرض وأخذت الأوراق تتبعثر في كلِ الاتجاهات مما سبب حدوث فوضى كبيرة في المكان زيادة عن الفوضى التي كانت تنام في تلك الأوراق، وبقايا لفافات التبغ المتراكمة هناك.

قبل أن يَنام بدقائق كان يُردد آخر جملة كتبها في ذلك الفصل " حتى انتهى كل شيء" بينما كان يعتقد في نفسه أن القصة لم تنتهي بعد وأن باستطاعة ذلك الشاب - بطل القصة - أن يعيد تدوير التاريخ من جديد، ويبدأ من حيث انتهى كل شيء، ولكنه لن يكمل القصة على هذه الطريقة الغير متناسقة، ولهذا كان عليه أن يضع نهايةً ما لهذه الفوضى اللا متناهية بحيث يصير بإمكانه أن يبدأ قصة أخرى دافعًا بذلك الشاب الذي حطمه قبل دقائق إلى طريق آخر تختلف تمامًا عما سبق مع أن الشخصيات الرئيسية سيبقون معه لإكمال هذه السلسلة من البؤس دافعًا به الحال إلى سعادةٍ ما، لا يعلم كيف ستأتي ولا من أين؟ ولأن النهايات تأتي دائمًا بعد تعب مرير، ولهذا فقد انتهج محمود طريقة مختلفة تمامًا وشذ عن هذه القاعدة المتعارف عليها في التأليف، بحيث أنه جعل بطل قصته يَسير إلى النهاية على أطراف أصابعه، ممتلئً بالسعادة بينما تنام بين يديه المطوية خلف ظَهره، باقة من الأزهار ذات اللون الوردي ويتقدم ببطء على حافة المنتزه البحري ويقترب من إحدى الفتيات التي تجلس على مقعدٍ قريب هناك وهي تنظر إلى الماء.

 

يُغلق عينيها من الخلف بإحدى يديه وهو يبتسم ثم تنتزع يده بقوةٍ وتقول له على غير العادة:

- "سيد علي! كف عن هذه الحماقة لن تستفيد منها"

فتتلاشى ابتسامته وتحل عليها علامات الاستفهام

- "سيد علي؟! حماقة؟! ما بكِ اليوم؟ يبدو أنك منزعجة؟

- "نعم، أنا لم آتِ إلى هنا لرؤية مفاجآتك أو ما شابه، لقد جئت لأقول لكَ كلماتي الأخيرة قبل أن تأخذنا الأمواج إلى أعماق هذه المهزلة، هل تفهم؟"

تتجعد ملامحه بالكامل، وتتدلى باقة الأزهار من يده التي كان يخبئها خلف ظهره قبل أن يسأل:

- "سيدة الضوء! هل تسمعين ما تقولينه؟ ما هي المِهزلة؟"

تقفز من مقعدها حتى تقف، وتتكلم بزئيرٍ واضح بينما تنظر في عينيه المفتوحتين على وسعهما:

- "نعم أيها الخائِن! مهزلة! مهزلتك أنت أيها المسكين ثم إني لستُ سيدة الضوء، أنا اسمي... حسنًا، لا فائدة من أعرفك على نفسي مرة أخرى، إن قصتنا تتوقف عند هذا الحد هل تفهم؟"

يَبقي عينيه مفتوحتين ويفرج شفتيه أيضًا، يتدلى جسده بالكامل على هيكله العظمي، لا يشعر بقدميه، كأنه يقف على الفراغ، ولكنه يبقى متمسكًا بباقةِ الأزهار بين أصابعه، كأنه ينتظر مفاجأةً ما ليرفعها في وجه حبيبته التي صرخت في وجهه للتو، ولكنه لم يعد يَشعر بشيء، فقط يحاول أن يتذكر ما الذي فعله بعد آخر مكالمة ودية بينهما وما الذي فعله قبل ذلك؟ ولكنه لا يتذكر أنه قام بشيءٍ ما يُمكن أن يسميه خيانة، إلا أنه يتذكر أنه قبل يوم واحد فقط، تحدث مع صديقة قديمة وجدها بالصدفة بينما كان يبحث عن عمل وقد أخبرته إنها ستوظفه في إحدى الشركات الموجودة في المدينة، وفي أقرب وقتٍ ممكن، وها هو قد حصل على العمل وقد كان سيخبر حبيبته بهذه المفاجأة إلا أنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لذلك، وبالإضافة إلى ذلك فهو لا يعرف كيف علمت حبيبته بهذا الأمر ومع ذلك فهو متأكد تمامًا أنها لم تسمع بشيءٍ من هذا؛ لذا فقد أطبق شفتيه قائلًا باستغراب:

- "خيانة إذن!"

- "نعم، خيانة، هل تتذكر ذلك بوضوح؟ لا أريدك أن تشرح لي ذلك، فأنا أعرف كل شيء، ولا أريدك أن تعترف أيضًا، وإذا كان لديك شيءٍ ما لتقوله، فقله لنفسك. هنا تنتهي القصة يا صديقي، ولكنك أنت من وضع نقطة النهاية، سوف أرحل.

 

- 'انتظري! إلى أين ترحلين؟ هل سيتّسع لكِ العالم كما...

- توقف! أنا أعرف ما ستقوله يمكنك أن تقول هذا لإنسانٍ غيري، وإذا لم تجد فقله للشمس، الشمس التي تعرفها أنت ثم..

«تنظر إلى باقة الأزهار التي تتدلى بين أصابعه وتواصل»

- أنا أعرف أنك لا تملك قوت يومك، ولكن من أين لك هذا؟ هل هو أجر صداقاتك الجديدة؟ حسنًا، هذا لا يَهم.

يبقى في مكانه في محاولة منه لإدراك ما يحدث، ولكنه لم يفهم أي شيء إلا أنه واصل الصمت بعد أن سمع آخر كلمة، بينما تنظر هي شزرًا في عينيه ثم تأخذ حقيبتها فيما يبقى شاردًا في الفراغ المعلق بين عينيه، فتلوي الحقيبة الصغيرة حول ذراعها الأيمن وتمضي إلى الأمام تاركة جسده مثبتًا هناك كالفزاعة.

- "ولكن.."

تلتفت إليه بينما يواصل:

- "هل ننسى؟"

تقترب منه ثلاث خطوات ثم تتكلم بنبرة هادئة تمتلئ بالثقة:

- "أنا أنسى أما أنت - أيها النبيل الذي لا ينسى - فأنا أضمن لك أن هذا أول شيء في حياتك يمكنك أن تنساه بسهولة، ولكن انتظر مع أول شمس ستشرق عليك في هذا العالم، ستكون حينها قد نسيت كل شيء وداعًا.

تسقط أخيرًا باقة الأزهار من بين أصابعه حتى ترتطم بالأرض، قلبه أيضًا يرتطم بالأرض، مشاعره تتساقط وتتبعثر هناك كزجاج مهشم، كل شيء يسقط منه بسهولة، أما عينيه، فتبقى معلقة كحبلٍ من الغسيل على جانبِ الطريق الذي تمر من حبيبته التي فقدها للتو، إنها تغرب الآن من هناك، كالشمس، تغرب الشمس أيضًا، بصره الآن يُعانق الظلام، بصيرته تفعل نفس الشيء، ينتشر الزجاج المهشم على الأرض ويذوب رويدًا رويدًا ويتلاشى في المياه، العالم يتوقف ببطئ، يهدأ بالتدريج أما هو فقد بقي هناك، حتى انتهى كل شيء.

 

***

محمود الذي عرف العالم على صورته الحقيقة، لم يَعد الآن يُبالي بأي شيء، إنه يدرك الآن أن الوحدة التي يَعيشها، الشمس التي ينتظرها كل يوم، قوس قزح الذي يزوره في أواخر نيسان دائمًا، مشاعره المُتجعدة نتيجة ارتطامها بالواقع، أحلامه التي يُحققها ببساطة، أوراقه التي تتبعثر كل يوم، خيرًا له من كلِ شيءٍ آخر في هذا العام، ولكنه الآن سيصحو كالعادة ليستجمع طاقته بحرارةِ شمس نيسان الصاخبة، التي تسقط عليه الآن من النافذة،

يفتح عينيه بهدوء، يَبتسم ككل يوم، يُفرد ذراعيه كأنه يحتضن الضوء، ثم يأخذ ورقة مرمية بجانبه، ويكتب فيها بخطٍ واضح: "إن الشمس ما فتئت تشرق عليَّ كل يوم، منذ عامٍ كامل، ولكني ولحسن الحظ..."

يرمي القلم والورقة على الطاولة، ثم يكمل بصوتٍ مسموع:

"لم أنسى."


___ ___

۩جانب الحلم المظلم۩  

رضوان شلبي 

 

 

 في هذه الزنزانة المُقيتة،لا أعلم كم الساعة تحديداً،لكنها غالباً الثانية بعد منتصف الليل،أشعر بذلك

 

الصمت يعم أرجاء المكان،الجو أصبح بارداً قليلاً،وصراصير الليل بدأت بعزفِ سيمفونيتها المألوفة التي أزعجت الجميع على مرِ العصور،وصوت نباح الكلاب يَصدر من مكانٍ ما،يبدو أن الحارس قد أخذ غفوةً متزامنةً مع شدةِ ضجري 

"كيف لي أن آخذ المفتاح من جيبه؟"

 ربما هناك وسيلة أخرى للهروب من هناك،من تلك النافدة الصغيرة ذات القضبان الحديدية

 

لحسن الحظ لقد شاهدت فيلماً قبل سَجني لجاكي شان وهو يحاول لوي القضبان بلف قميص مبلول بالبولِ حولها،خلعت قميصي وتبولت عليه وفعلت المطلوب

وبالفعل!

  لم يحدث أي شيء سوى أني خسرت قميصاً كان من المفترض أن يحميني من البرد الذي ازداد بقوةٍ بعد خلعه،ربما كان السر يكمن في أنه جاكي شان ذو العضلات المفتولة، أما أنا، هه...رباه! ما الحل؟

لا بد أن حارساً غبياً قد وضع مفتاحاً في مكانٍ ما وذهب ليأك،أو أن سجيناً سابقاً استطاع الهرب قد ترك لي مفتاحاً أو وسيلةً معدنية لكسر مسامير النافذة،ربما تحت السرير،أو بين جماعة الجرذان تلك،أو ربما في تلك الحفرة المطمورة في الأرض والتي لم يسبق لي الإنتباه لها.

ياللهول!

إنه مفك!

 

"-أين كنت خلال كل تلك الفترة التي كنت أتفاخر بها أمام نفسي بذكائي الشديد لتذكري طريقة جاكي شان بالهرب؟"

فيجيب المفك: يا سخيف، لقد كنت قابعاً في حفرتي تلك، حيث استخرجتني، منتظراً زوال غمامة الغباء من عينيك فتنتشلني "

 

 

رغم كل هذا الظلام استطعت فك برغيين ثم الثالث،لكن الرابع سقط أرضاً وأصدر ضجيجاً أيقظ الكلب الذي سرعان ما بدأ بالعويل والنباح موقظاً باقي الحرس كأحجار دومينو غبية ونائمة، ثم أُطلق جهاز الإنذار،تسللت من فوري،قفزت وبدأت بالركض سريعاً،وكانت أضواء المنارة تتجه نحوي،أنا خائفٌ جداً

ألهث بقوةٍ من الركض والخوف

مثانتي قد امتلأت فجأة!

أشعر بحاجةٍ ملحةٍ للتبول

ولو على نفسي

على الرغم من أني تبولت منذ قليلٍ على قميصي،

بعض الحراس يلحقون بي ويطلقون النار على قدمي، أصوات كلاب الحراسة يزداد قرباً منيّ، ويُهيأ لي أنها تغني لمُلحم بركات

أصابتني رصاصة في كاحلي وباتت حركتي صعبةً للغاية لكني، وبمعجزةٍ ما أستطعت التواري عن الأنظار بين صخور الساحل البحري،

كان البحر -على الرغم من عتمتهِ الشديدة- هو ملاذي الأخير للنجاة بألمي وعاري

وحريتي!

 تمكن الألم من كل أعصابي وانتقم منها بشراسة، فلا أستطيع أن أصرخ لأخرج ما بي، ولا أنا قادرٌ على تخفيف الألم،

ما زلت خائفاً

البرد ينهش جلدي الذي أصابته القشعريرة

وصوت نباح الكلاب ما يزال قريباً وأخاف أن تشتم رائحة الدم فيفتضح أمري وينتهي هذا الفصل من قصتي،

أشعر أن أحد هذه الشهب والنجوم التي فوقي سيسقط على رأسي ويحرقني

بدأت أخاف هذا البحر وسواده،

أعتقد أن قرشاً هناك سيأتي ويلتهمني وعندها سأقضي حريتي بين أحماض معدته

فجأة!

يصدر صوت رنين قوي بجانبي

وأشعر أن الأرض من تحتي ستتشقق

كل ما أراه يختفي تدريجياً

نورٌ عظيمٌ يبتلع كل شيء

أشعر أن عيناي تنفتح من جديد

لأُلاقي نفسي بجوارِ منبه السابعة صباحاً 

يومٌ جامعيٌ آخر.

 

___ ___


 

 في الختام 

نودُ التنوية ان افكار القصص والنصوص وما تعبره وترمي إليه تعود للكاتِب فقط ودار النشر غير مسؤولة عنها ابداً.
حقوق النشر محفوظة لدار ATA CAFFEINE.
حقوق اعداد الكتاب محفوظة للمُعِد.
حقوق النصوص محفوظة للكاتب

 

 






تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة